يعد نظام الإثبات الجديد أحد أهم التطورات التي تشهدها البيئة التشريعية في المملكة العربية السعودية بشكل مستمر، حيث تشهد المملكة عدة تطورات في الأنظمة والتشريعات الخاصة بها، وكان من أهمها هذا النظام الجديد.
ويرجع السبب وراء إصدار نظام الإثبات إلى رغبة الدولة في مواكبة قوانينها للقوانين العالمية الحديثة، وأيضًا للعمل على تحقيق أهداف رؤية المملكة لعام 2030، ويعد هذا النظام أحد التشريعات التي قام ولي العهد الأمير “محمد بن سلمان” بالإعلان عنها في فبراير 2021.
وقد تم الإعلان بشكل رسمي عن النظام في مرسوم ملكي حمل رقم م/43 لعام 1443 هـ، بالإضافة إلى أنه قد تم نشره في الجريدة الرسمية في يوم 7 يناير 2022، وأصبح ساري المفعول بعدها بعدة أيام.
ونظرًا إلى أهمية قانون الإثبات الجديد، قررنا في هذا المقال الحديث عن هذا النظام بشكل تفصيلي، مع ذكر العديد من الأمور التي تتعلق به والتي من ضمنها أهم وسائل الإثبات.
ما هو نظام الإثبات السعودي الجديد؟
يعد قانون الإثبات أحد التشريعات القانونية الهامة في المملكة العربية السعودية، وهو يعمل على حماية كافة حقوق الأفراد وكذلك ممتلكاتهم، كما يساهم بشكل كبير في تعزيز العدالة، بالإضافة إلى أنه يعمل على مراعاة جميع التطورات التي تحدث في المجتمع السعودي، وهذا وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية.
وتكمن أهمية هذا القانون في أن الإثبات يعد هو الدليل على وجود الحق، كما أن الإثبات هو الدليل الذي يستند عليه القضاء عند إصدار الأحكام، كما أنه لا يمكن لأي شخص إثبات حقه إلا من خلال إيجاد الدليل الذي يؤيد هذا الحق، ويتم هذا الأمر من خلال وسائل الإثبات التي يتضمنها نظام الإثبات السعودي الجديد.
بالإضافة إلى أنه يجب التنويه إلى أن قانون الإثبات يكون ساريًا فقط على المعاملات التجارية وأيضًا المعاملات المدنية، ولا يسري على أي معاملات أخرى.
وسائل الإثبات في نظام الإثبات السعودي الجديد
يتضمن قانون الإثبات الجديد عدة وسائل يمكن من خلالها إثبات الدليل، وقد تضمن هذا النظام تسع وسائل للإثبات، وهذه الوسائل هي كما يأتي:
1- الإقرار:
يعد الإقرار من أهم وسائل الإثبات في نظام الإثبات السعودي الجديد، وهو ينقسم إلى قسمين، الأول هو الإقرار القضائي، والثاني هو الإقرار غير القضائي.
ويُعرف الإقرار القضائي أنه عبارة عن قيام الخصم بالاعتراف أمام المحكمة التي تقوم بالنظر في الدعوى، والتي تتضمن وجود حق للغير على الخصم، ويتميز هذا الإقرار أنه من أقوى الأدلة التي يمكن استخدامها؛ كونه يعد حجة قاطعة على صاحبه، ولا يمكن الرجوع عنه.
أما عن الإقرار غير القضائي فهو عبارة عن الاعتراف الذي يقوم به الخصم لكن بعيدًا عن مجلس القضاء، وفي هذه الحالة لا يمكن اعتباره حجة قاطعة على صاحبه، كما أنه لا يمكن الاستناد إليه كشهادة أو دليل.
وبالحديث عن الاستجواب، فيمكن للخصم أن يقوم باستجواب خصمه الآخر بشكل مباشر وهذا وفقًا لقانون الإثبات، ولا يتوقف هذا الأمر على موافقة المحكمة، ولكن يمكن للقضاء منع أي سؤال لا يتعلق بموضوع الدعوى، ويجب التنويه إلى أنه لا يمكن استجواب الخصم في حالة ما إذا كان ناقص الأهلية أو عديمها، بل يتم في هذه الحالة استجواب من ينوب عنه ويقوم مقامه.
قد يمهك أيضًا قراءة: شروط الاستثمار الأجنبي في السعودية
2- الشهادة:
يشترط لاعتبار الشهادة وسيلة من وسائل النظام الخاص بالإثبات أن تكون عن معاينة أو مشاهدة أو سماع؛ وهذا يرجع إلى أنه لا يمكن قبول شهادة بغلبة الظن، بل لا بد من أن تكون الشهادة بالعلم، أما عن الشهادة بالاستفاضة فهي لا تصح أبدًا، لكن يُستثنى من ذلك الأمور التي يمكن علمها بدونها، مثل “النسب – الوفاة – الزواج”.
ويُشترط في شروط صحة الشهادة أن تكون ممن جاوز سن الخامسة عشر، وأن تكون ممن هو أهلًا لها، بالإضافة إلى أنه لا بد من إفصاح صاحب الشهادة عن علاقته بأطراف الدعوى، وعن ما إذا كان هناك أي مصلحة له قبل البدء في الشهادة.
3- الأدلة الكتابية:
تعرف الأدلة الكتابية أنها عبارة عن محررات، وهي تنقسم إلى محررات رسمية وأخرى عادية، ويمكن تعريف المحررات الرسمية أنها عبارة عن أي مستند أو وثيقة يتم العمل على كتابته وتوثيقه من قبل موظف عام، ويكون هذا الأمر ضمن حدود صلاحياته واختصاصه.
أما عن المحررات العادية فهي عبارة عن الوثائق التي يتم تحريرها من قبل الأفراد، دون حدوث أي تدخل من الموظف العام، وفي هذه الحالة تعد هذه المحررات حجة على من أصدرها، وهذا في حالة عدم إنكاره لما يُنسب إليه من “ختم – خط – بصمة” بشكل صريح.
4- الأدلة الرقمية:
تعد الأدلة الرقمية من أهم وسائل نظام الإثبات السعودي الجديد، ويعد إضافة الدليل الرقمي ضمن هذه الوسائل خير دليل على التطورات الكبيرة التي تشهدها المملكة في القوانين والتشريعات الخاصة بها، كما أنها تعد دليلًا على انتشار التعاملات الإلكترونية بشكل كبير في السعودية، وبالتالي يمكن اعتبارها وسيلة لضمان حقوق كافة الأفراد.
وقد قام نظام الإثبات الجديد بمنح الأدلة الرقمية الحجية الكاملة في الإثبات، ويُعرف الدليل الرقمي أنه عبارة عن أي دليل ينشأ أو يحفظ أو يسلم من خلال أي وسيلة إلكترونية، ويتميز هذا الدليل أنه قابل للاسترجاع في أي وقت يُحتاج إليه.
ويعد من أهم أشكال الأدلة الرقمية “التوقيع الرقمي – السجل الرقمي – المراسلات الرقمية – المحرر الرقمي – وسائل الاتصال”.
قد يمهك أيضًا قراءة: أهم شروط إنهاء عقد العمل في السعودية
5- اليمين:
يعد اليمين من أهم الوسائل التي تضمنها قانون الإثبات، وهو ينقسم إلى نوعين، الأول هو اليمين الحاسمة، والثاني هو اليمين المتممة.
ويمكن تعريف اليمين الحاسمة أنها عبارة عن اليمين التي يقوم طرف من الخصوم بتوجيهها إلى الطرف الآخر؛ وهذا من أجل حسم النزاع بينهما، كما أنه يمكن ردها إلى الشخص الذي صدرت عنها، وفي حالة قيام من وجهت إليه اليمين بأدائها ففي هذه الحالة يثبت حقه أمام القضاء.
أما عن اليمين المتممة فهي عبارة عن اليمين الذي تقوم المحكمة بتوجيهه إلى خصم من الخصوم؛ وهذا من أجل العمل على إكمال الأدلة، كما أنه يجب التنويه إلى أن هذا النوع من اليمين لا يمكن توجيهه من قبل أحد الخصوم.
6- الخبرة:
تُعرف الخبرة أنها عبارة عن أمر يفهم القاضي من خلاله الأمور الفنية التي تتعلق بموضوع الدعوى؛ من أجل بناء تصور واضح وشامل عن القضية من أجل تحقيق العدالة، ويتم اللجوء إلى هذه الوسيلة في حالة إقامة دعوى أمام القضاء، وتتضمن مسألة فنية لا يمكن الحكم فيها إلا باللجوء إلى أهل الخبرة.
ويحق للمحكمة في هذه الحالة انتداب خبير حتى يقوم بالفصل في هذه المسألة، ويمكن أن يتم هذا الأمر من المحكمة، كما يمكن أيضًا أن يتم انتداب خبير وفقًا لطلب أحد الخصوم، ويجب التنويه إلى أن الخبرة لا تعد أمرًا ملزمًا بالنسبة إلى المحكمة.
7- القرائن:
تعد القرائن من وسائل نظام الإثبات السعودي الجديد، وهي تعرف بأنها الدلالة القوية التي يقوم القاضي بالاستدلال من خلالها على حدوث أمر خفي من الأوصاف الدالة على ثبوت الواقعة القضائية، والتي تقوم بالتأثير في الحكم أو نفيه.
وتنقسم هذه القرائن إلى عدة أقسام، هي:
- القرينة الفقهية: تعرف القرينة الفقهية أنها عبارة عن القرينة التي قام الفقهاء باستنباطها من أصول الشريعة العامة، وأصبحت فيما بعد دليلًا على أمور أخرى، ويمكن الاستناد إلى هذه القرينة عند ثبوت الوقائع عند التقاضي.
- القرينة القضائية: تعرف القرينة القضائية أنها كل ما يوجد في الدعوى من وقائع تتضمن أقوال الخصوم، وما يتم إقامته من قبلهم من أدلة على وقائع يستنبط القاضي منها ثبوت الحق المدعى به أو نفيه.
- القرينة النصية: يعرف هذا النوع من القرائن أنه ما ورد في الكتاب والسنة، وقام الشرع بجعلها دلالة على أمر محدد.
8- العرف:
فيما سبق لم يكن العرف وسيلة من وسائل الإثبات، لكن مع التطورات الأخيرة وصدور نظام الإثبات صار العرف أحد وسائله المثبتة، وأصبح حجة تثبت بها الأحكام بين الخصوم، ولا بد من عدم مخالفة هذا العرف للنظام العام.
وقد نصت المادة 88 من قانون الإثبات الجديد على أنه في حالة إقامة دعوى أمام القضاء، ولا يوجد فيها نص أو اتفاق بين الأطراف، ففي هذه الحالة يمكن إثبات الواقعة من خلال العرف.
قد يمهك أيضًا قراءة: أهم مزايا نظام الشركات السعودي الجديد
9- المعاينة:
تعد المعانية من وسائل قانون الإثبات الجديد، وفي هذه الحالة يحق للمحكمة الانتقال إلى محل الواقعة؛ وهذا من أجل معاينة المحل المتنازع عليه؛ حتى يصدر الحكم بعدها عن بينة، وعند انتقال المحكمة إلى محل الواقعة يتم تحرير محضرًا للمعاينة، وتعقد جلسة المحكمة هناك بشكل رسمي.
وقد نص القانون على أنه يحق لصاحب المصلحة طلب معاينة المحكمة للمحل؛ من أجل إثبات الحالة كما هي، وأيضًا منعًا من زوال أيٍ من معالمها.
وختامًا، يعد نظام الإثبات الجديد في المملكة العربية السعودية خير دليل على التطور الكبير الذي تشهده البيئة التشريعية في السعودية، كما أن تضمن النظام للدلائل الرقمية كوسيلة من وسائله يرجع إلى مواكبة المملكة لكل ما هو جديد ويوافق تطورات العالم، بالإضافة إلى أن النظام يعد خطوة جديدة ومميزة في طريق التطور التشريعي الذي يساعد على تحقيق رؤية المملكة 2030.
وفي حالة وجود أي استشارات قانونية بشأن هذا الأمر؛ فيمكنكم طلب استشارة من خلال الموقع (طلب استشارة قانونية) أو التواصل معنا بكل سهولة على الواتساب من هنا.
روابط قد تهمك: