تزامن مع التطور الكبير الذي شهدته المملكة العربية السعودية في الفترة الأخيرة في كافة القطاعات وخاصة التكنولوجية صدور نظام الإثبات السعودي، والذي تم إصداره في الثامن والعشرين من ديسمبر لعام 2021 م، وقد تضمن الحديث عن الدليل الرقمي وكل ما يتعلق به.
وقد تم إصدار هذا القانون ضمن مجموعة مشاريع كان يتمحور هدفها حول العمل على تطوير كافة الأنظمة القضائية وكذلك التشريعية داخل المملكة.
وتكمن أهمية الدليل الرقمي في نظام الإثبات إلى أنه لا بد من وضع قانون يعمل على ضمان حقوق جميع الأفراد عند التعامل من خلال وسائل التكنولوجيا المختلفة؛ كونها أصبحت تشكل جزءًا أساسيًا من الحياة اليومية، بالإضافة إلى أن تشمل جميع أنواع الخدمات، ولا تقتصر على نوع محدد.
ولذلك، ونظرًا إلى أهمية هذا الموضوع داخل المملكة، قررنا في هذا المقال الحديث بشكل تفصيلي عن الدليل الرقمي في نظام الإثبات السعودي، مع الحديث عن خصائصه وأنواعه، والعديد من المعلومات الهامة الأخرى المرتبطة به.
تعريف الدليل الرقمي في نظام الإثبات
تضمن نظام الإثبات السعودي الكثير من المواد، وقد نصت المادة الثالثة والخمسون منه على ذكر تعريف مفصل للأدلة الرقمية، ويمكن تعريف هذا الدليل أنه عبارة عن “كافة الأدلة المستمدة من البيانات التي تنشأ أو تصدر أو تحفظ أو تسلم من خلال وسيلة رقمية”، كما يمكن تعريف الأدلة الرقمية كذلك بأنها عبارة أدلة تختلف عن الأدلة الكتابية؛ حيث يمكن الاحتفاظ بها وتخزينها إلى وقت الحاجة إليها.
كما يقوم بعض الأشخاص بتعريف الأدلة الرقمية على أنها الأدلة التي يتم الحصول عليها من خلال الحاسب الآلي، في شكل مجالات كهربائية ومغناطيسية، وهي تتميز بأنها قابلة للجمع والتحليل من خلال برامج وتقنيات مخصصة لهذا الأمر؛ حتى تتحول بعد ذلك إلى أصوات أو صور يمكن تقديمها للجهات القضائية.
هذا بالإضافة إلى أن الدليل الرقمي لا يمكن محوه إطلاقًا أو التخلص منه، كما أنه يمكن استرجاعه بكل سهولة في أي وقت، ويرجع السبب وراء تعدد تعريفات الأدلة الرقمية إلى أنها من الأدلة المستحدثة مؤخرًا، ولذلك ذكر العديد من خبراء القانون عدة تعريفات متعددة لهذا النوع من الأدلة.
وأيضًا من أبرز التعريفات التي ذُكرت لهذه الأدلة الرقمية أنها “كافة البيانات الرقمية أو النصوص الكتابية، أو الصور والرسوم أو الخرائط، والتي يمكن اتخاذها رابطًا بين أي فرد وفعله الذي قام به”.
قد يهمك أيضًا قراءة: أهم شروط إنهاء عقد العمل في السعودية
أهم خصائص الدليل الرقمي
تتميز الأدلة الرقمية بعدة خصائص تجعلها مميزة عن غيرها من الأدلة الأخرى، ويعد من أهم هذه الخصائص ما يأتي:
1- دليل تقني: تُعرف الأدلة التقنية أنها تتكون من المعلومات الإلكترونية، والتي تكون عبارة عن مكونات محسوسة غير ملموسة، وعند الرغبة في جعلها مادة ملموسة القيام باستخلاصها من خلال برامج وتقنيات متخصصة في ذلك.
لذلك تتميز الأدلة الرقمية أنها أدلة تقنية، سواء في طبيعتها الأساسية، أو في الطريقة التي يتم الحصول عليها.
2- دليل علمي: تتفق الأدلة الرقمية في مضمونها مع الأدلة والقواعد العلمية المثبتة، ولا يتعارض جوهرها أبدًا مع هذه القواعد، ولا يمكن تصور هذا الأمر، وفي ذلك نصت قاعدة قضائية تتضمن أنه “مثلما يعمل القانوع على تطبيق العدالة، فإن العلم يعمل على إيضاح وبيان الحقيقة”.
3- دليل قابل للنسخ: يعد من أهم خصائص الأدلة الرقمية أنها أدلة قابلة للنسخ من الأصل، وهذه خاصية هامة تميز الأدلة الرقمية عن الأدلة الكتابية وكافة الأدلة الأخرى، ومن خلال عملية النسخ يتم الحصول على صورة مماثلة للأصل في كل شئ؛ وهو ما يساهم في الحفاظ على الأصل، مع العمل على عدم تعرضه إلى التلف أو الضياع.
4- دليل لا يمكن التخلص منه: يتميز الدليل الرقمي بصعوبة عملية التخلص منه إن لم يكن استحالتها، كما أنه يمكن استعادته مرة ثانية بشكل سهل في حال نجاح عملية حذفه، ويتم هذا الأمر من خلال الذاكرة الداخلية الخاصة بالجهاز التي تم الحذف منه.
كما تعتبر عملية التخلص من الأدلة الرقمية دليلًا جديدًا يعتد به، ويؤخذ ضد القائم به، بالإضافة إلى أنه يمكن التوصل إلى من قام بالفعل من خلال هذه العملية.
5- دليل متطور: تعتمد الأدلة الرقمية في جوهرها على طرق ووسائل حديثة ومتطورة، وهذا يرجع إلى التطور التكنولوجي الكبير وزيادة استخدام البيانات والمعلومات الرقمية، وكذلك أجهزة الحاسب الآلي.
قد يهمك أيضًا قراءة: أهم طرق تحصيل الديون في السعودية
أنواع الأدلة الرقمية في نظام الإثبات السعودي
نصت المادة الرابعة والخمسون في نظام الإثبات السعودي على أن هناك عدة أنواع للأدلة الرقمية، وهي ستة أنواع، وبيانها كما يأتي:
1- التوقيع الرقمي: يتم تعريف التوقيع الرقمي بأنه عبارة عن أي بيانات إلكترونية يتم إدراجها في التعامل الإلكتروني، أو يتم إضافتها إليه أو ترتبط به بشكل منطقي، ويتم استخدام هذه البيانات من أجل العمل على إثبات هوية الموقع وتأييده للتعامل الإلكتروني، بالإضافة إلى اكتشاف ومعرفة أي تعديل يتم على التعامل بعد القيام بالتوقيع عليه.
2- السجل الرقمي: يُعرف السجل الرقمي بأنه عبارة عن أي وثيقة يتم العمل على إنشائها وتداولها وكذلك حفظها من خلال طريقة رقمية.
3- الوسائط الرقمية: تعد الوسائط الرقمية أو الإلكترونية من أنواع الدليل الرقمي، وهي تُعرف بأنها عبارة عن برمجيات تقوم بالجمع بين مجموعة من الوسائط، مثل “الصور – الفيديو – الصوت – النصوص – الرسوم – الحركة” بالإضافة إلى بعض الوسائط الأخرى والتي تظهر جميعها في شكل منطوق أو مرئي أو مسموع.
4- المراسلات الرقمية: تشتمل أنواع الأدلة الرقمية على المراسلات الرقمية، والتي يمكن تعريفها بأنها عملية تبادل المعلومات بشكل إلكتروني، أو يمكن تعريفها بأنها كافة المعلومات التي يتم إرسالها أو تسليمها أو تخزينها من خلال أي وسيلة إلكترونية، والتي تتضمن “الرسائل القصيرة – البريد الإلكتروني” وغيرها من الوسائل الأخرى.
5- المحرر الرقمي: يُعرف المحرر الرقمي والذي يعد أحد أشكال الأدلة الرقمية أنه عبارة عن أي وثيقة يتم العمل على إنشائها بشكل تقليدي، لكن طريقة حفظها تكون بشكل رقمي.
6- وسائل الاتصال: يمكن تعريف وسائل الاتصال بأنها وسائل الاتصال التي تعتمد على شبكة الإنترنت عبر البرامج والمواقع المختلفة، ويتم هذا الأمر لسهولة عملية التواصل وتبادل المعلومات بين المستخدمين، بالإضافة إلى أن هذا الأمر يتم من خلال الهواتف المحمولة أو أجهزة الحاسوب.
قد يهمك أيضًا قراءة: أنواع الشركات في السعودية
حجية الدليل الرقمي في نظام الإثبات في السعودية
نص المنظم السعودي على أنه يوجد حجية للدليل الرقمي في الإثبات، وتماثل هذه الحجية الحجية المثبتة للكتابة، وقد تم التساوي بينهما في الإثبات؛ وهذا يرجع إلى أنه تم اعتبار كلا منهما عبارة عن كتابة في مضمونه الخاص، وهذا على الرغم من أن الكتابة في شكلها التقليدي تختلف تمامًا عن الكتابة الرقمية في الطبيعة والمكونات الخاصة بكل منهما، ورغم هذا الاختلاف إلا أنها يقومان بأداء نفس الدور في عملية الإثبات.
وقد عمل المنظم السعودي على توضيح الفرق بين الأدلة الرقمية الرسمية وغير الرسمية، وبيان ذلك ما يأتي:
1- الدليل الرقمي الرسمي: عندما يكون الدليل رسميًا، فقد أقر المنظم على أن له حجية في الإثبات مماثلة للحجية التي تختص بها المحررات الرسمية، وتتميز هذه الحجية بأنها مطلقة في مواجهة الجميع، ولا تقتصر على طرفي النزاع المقدم فيه الدليل الرقمي.
وقد نص المنظم السعودي على شرط لا بد من تحقيقه من أجل تمتع الدليل الرسمي بهذه الحجية، ويعد هذا الشرط هو الشرط الذي يحتاجه المنظم في المحرر الرسمي؛ من أجل أن تكون له حجية في الإثبات، وهذا الشرط هو أن يكون الدليل قد صدر من قبل موظف عام أو شخص تم تكليفه بأداء خدمة عامة، والذي يتم إثبات ما قام به أو تلقاه من أصحاب الشأن، وهذا وفقًا للأوضاع التي يتم تقريرها من قبل النظام.
ومن الأمور التي تندرج تحت الأدلة الرقمية الرسمية هو كل ما يصدر بشكل آلي من الأنظمة الرقمية التي تتبع أي جهة عامة، أو تكون تابعة لجهة مكلفة بأداء خدمة عامة.
2- الدليل الرقمي غير الرسمي: منح المنظم السعودي قدرًا بسيطًا من الحجية للأدلة غير الرسمية، ويرجع هذا القدر البسيط في الحجية إلى حالتها وقوتها، حيث نجد أن المنظم قد عمل على جعل الحجية تقتصر على أطراف التعامل فقط، ولا تتخطى حدود ونطاق هؤلاء الأطراف، والذين تم التعامل بينهم على الأمر المتعلق بالنزاع الذي تم تقديم الدليل غير الرسمي بشأنه.
ومن ناحية قوة الأدلة غير الرسمية، فيمكننا القول أنها قوة محددة وليست مطلقة؛ كونها تقبل إثبات ما يخالفها، وهو الأمر الذي يترتب عليه أنه يمكن لأي طرف من أطراف التعامل إثبات دليل مخالف للدليل الرقمي غير الرسمي، مما ينتج عنه دحض حجية الدليل في عملية الإثبات.
قد يهمك أيضًا قراءة: شرح المادة 77 من نظام العمل السعودي
هل هناك حالات يكون فيها الدليل غير الرسمي حجة للأطراف على بعضهم البعض؟
نعم هناك حالات تختص بهذا، حيث نص القانون على أنه يوجد ثلاث حالات يمكن أن يصبح فيها الدليل الرقمي غير الرسمي حجة للأطراف المتنازعة بعضها على بعض، وهذا في حالة عدم تمكن أحدهم إثبات ما يخالفه.
وهذه الحالات هي كما يأتي:
1- إذا كان الدليل غير الرسمي تم استخلاصه عبر أحد الوسائل الرقمية، والتي تتميز بأنها موثقة ومعتمدة، أو تكون متاحة للعامة.
2- إذا كان الدليل غير الرقمي تم إصداره وفقًا لما نص عليه نظام التعاملات الإلكترونية، أو نظام التجارة الإلكترونية، وما يتعلق بهما من أحكام وتشريعات.
3- إذا تم استخلاص الدليل الرقمي غير الرسمي من أيٍ من الوسائل الرقمية التي تم الاتفاق عليها في العقد الخاص بالنزاع؛ حيث يعد هذا الأمر بمثابة إقرار من كافة الأطراف بموافقتهم المسبقة على الأدلة الرقمية التي يتم اتخاذها من الوسيلة المتفق عليها، مع العمل على استخدامها في عملية الإثبات.
أما في حالة عدم توفر أي حالة من الحالات السابقة في الدليل غير الرسمي؛ فيترتب على ذلك أن حجيته تكون هي نفس الحجية التي ينص عليها نظام الإثبات بشأن المحرر العادي، والتي تتمثل في اعتباره قد صدر من قبل الشخص الموقع عليه، ويتم أخذه كحجة عليه، إلا في حالة إنكاره الصريح لهذا التوقيع بكافة أشكاله، والذي يتضمن “التوقيع – الختم – البصمة”.
وفي حالة ما إذا حدث احتجاج على شخص باستخدام أدلة رقمية عادية، فيحق لهذا الشخص الإنكار قبل الخضوع إلى أي مناقشة تتعلق بهذا الدليل؛ لأنه متى ما تم النقاش يسقط الحق في الإنكار.
قد يهمك أيضًا قراءة: المركزية واللامركزية في الشركات
سلطات المحكمة في تقدير حجية الدليل الرقمي
نصت المادة 68 من نظام الإثبات السعودي على أن المحكمة تمتلك سلطة تقديرية؛ من أجل العمل على تقدير حجية الأدلة الرقمية التي يتم تقديمها إليها وفقًا لما يظهر لها من ظروف الدعوى، وهذا في حالة تعذر التحقق من صحة الدليل المقدم نتيجة لسبب خارج عن إرادة الخصوم.
وقد نص القانون أيضًا على أنه يمكن للمحكمة طلب تقديم محتوى الدليل الرقمي مكتوبًا لها، هذا في حالة ما إذا كانت طبيعة الدليل تسمح بذلك، هذا بجانب عدم وجود أي موانع بشأن تقديم الدليل في شكله الرقمي الأصلي.
وفي حالة امتناع أي طرف من الأطراف عن تقديم طلبات المحكمة من أجل التحقق من صحة الدليل، مع عدم وجود عذر مقبول لهذا الأمر؛ فإنه يترتب عليه سقوط حق الممتنع عن التمسك بالدليل، ويتحول في هذه الحالة إلى حجة عليه.
وختامًا، كانت هذه أهم وأبرز المعلومات المتوفرة حول الدليل الرقمي وأنواعه وخصائصه وحجيته، وفي حالة وجود أي استشارات قانونية بشأن هذا الأمر؛ فيمكنكم طلب استشارة من خلال الموقع (طلب استشارة قانونية) أو التواصل معنا بكل سهولة على الواتساب من هنا.
روابط قد تهمك: