تعد أزمة تحصيل الديون واحدة من أبرز الأزمات التي قد يتعرض لها التجار والمؤسسات التجارية، سواء كانت هذه المؤسسات ذات حجم صغير أو متوسط، ونتيجة لهذه الأزمة قد تصاب الشركة أو المؤسسة بعدة مشكلات تترتب عليها.
ويعد من أهم الأخطار التي تواجه المؤسسات في حالة تعثر عملية تحصيل الدين هو التصفية أو الإفلاس، ومما يساهم في تفاقم هذا الأمر هو تخلف العملاء عن سداد الدين في الموعد المتفق عليه مسبقًا.
ونظرًا إلى أهمية هذا الموضوع، فقد نص القانون على عدة طرق ووسائل يمكن من خلالها تحصيل الديون واستردادها؛ ولذلك قررنا في هذا المقال الحديث عن طرق تحصيل الدين، مع الحديث عن خصائص وآلية تنفيذ كل طريقة منهم.
طرق تحصيل الديون
تعد مشكلة الديون من المشكلات التي تؤرق بال الكثيرين، سواء كانوا أفردًا أو مؤسسات، وعلى الرغم من أن هذه المشكلة ليست واضحة للعيان، إلا أنها تحتاج إلى حلول عملية من قبل خبراء متخصصين من أجل تسوية الأمر وتحصيل كافة الديون؛ خاصة وأن عدم تحصيلها يؤدي إلى ضياع حق الدائنين وأموالهم.
وتنقسم طرق تحصيل الدين إلى ثلاثة طرق رئيسية، لكل منها تعريف وخصائص وطبيعة تميزها عن الطرق الأخرى، وسوف نقوم بتوضيح هذا الأمر في الأسطر القادمة.
1- تحصيل الديون من خلال التسوية الودية:
تعد التسوية الودية إحدى الطرق التي يمكن من خلالها تحصيل الديون المستحقة من المدين، وهي تعتبر المرحلة الرضائية في هذه العملية، كما أنها تُعرف بأنها “عقد يتم إبرامه ما بين المدين المتوقف عن الدفع وبين الدائن، ويتضمن العقد التنازل عن جزء من الديون، أو إعطاء آجالًا للمدين من أجل الوفاء بالدين، أو يمكن تنفيذ الأمرين معًا”.
وعادة ما يتم اللجوء إلى هذه الطريقة في حالة التأكد من عدم قدرة المدين على سداد الدين، ويمكن من خلالها أن يتم سداد الدين على عدة أقساط، أو من خلال أي طريقة يتم الاتفاق عليها لتحصيل كامل الدين.
كما يمكن أن يقوم المدين في حالة اكتشافه عدم قدرته على الوفاء بالدين بإعلام الدائنين بهذا الأمر؛ من أجل محاولة التوصل إلى حل لسداد الدين؛ تجنبًا لوصول الأمر إلى القضاء، ويتم إبرام عقد مع الدائنين من أجل تسوية الأمر، بالإضافة إلى اغتنام الوقت لتحسين الأوضاع المالية.
وقد نص الفقه الإسلامي على عملية التسوية الودية من أجل تحصيل الديون، وقد وافقه القانون الوضعي في هذا الأمر، حيث اتفق كل من الفقه والقانون في معنى التسوية، حيث يتم تعريف التسوية في القانون التجاري أنها عبارة عن “قيام الدائن بإعانة المدين للخروج من الضائقة المالية التي أصابته، وهذا من خلال تأجيل موعد سداد الدين، أو خصم جزء منه، وهذا من خلال عقد يتم إبرامه بينهما”، وبالبحث نجد أن هذا المعنى هو نفسه الذي نص عليه الفقه، حيث يمكن للدائن أن يهب المدين كامل الدين أو جزء منه؛ تخفيفًا عليه ومساعدة له.
قد يهمك أيضًا قراءة: شرح المادة 77 من نظام العمل السعودي
تحصيل الديون| أهم خصائص التسوية الودية
هناك عدة خصائص تتميز بها التسوية الودية استنادًا لما نص عليه الفقه التجاري من خلال اعتبارها عقدًا، ويعد من أهم هذه الخصائص ما يأتي:
- وجود جميع الأركان التي لا بد من وجودها في العقود بصفة عامة، وهي “المحل – التراضي – السبب – الأهلية”.
- وجود الرضا بين الطرفين لانعقاد التسوية، ويمكن أن يكون الرضا شفهيًا أو كتابيًا، كما يمكن أن يكون ضمنيًا.
- تعد التسوية عقد طرفاه الدائن والمدين، وفي حالة تعدد الدائنين فلا بد من الحصول على موافقتهم جميعًا.
وهكذا تعد التسوية الودية أحد أهم طرق تحصيل الديون في حالة تعذر سدادها، كما أنها تعد وسيلة تساهم في الحفاظ على حق الدائنين، وفي حالة اتباع هذه الطريقة وتخلف المدين عن السداد ففي هذه الحالة يمكن البدء في اتخاذ الإجراءات القانونية واللجوء إلى القضاء.
2- تحصيل الديون من خلال القضاء:
تعد الطرق القضائية إحدى طرق تحصيل الديون من المدين، وهي عبارة عن نظام يعمل على حماية المدين حسن النية من الإفلاس أو إشهار هذا الأمر، كما أن هذا النظام يتضمن عقد اتفاق بإشراف قضائي مع الدائنين، وتلتزم فيه الأقلية برأي الأكثرية، بالإضافة إلى أن هذا النظام يساهم في استمرار المشروع التجاري الخاص بالمدين في العمل.
قد يهمك أيضًا قراءة: خطوات تحويل مؤسسة إلى شركة في السعودية
وقد تعددت التعريفات الخاصة بالتسوية القضائية، ويعد من أهمها أنها:
– “إجراء يتم تطبيقه على المدين المتوقف عن دفع الدين، سواء كان هذا المدين تاجرًا أو شخصًا معنويًا؛ من أجل العمل على سداد الدين”.
– “إجراء يتم اتخاذه لصالح المدين حسن النية، بشرط عدم ارتكابه أي أخطاء جسيمة؛ وفي هذه الحالة يستمر في إدارة مشروعاته وأمواله للعمل على عقد صلح بينه وبين الدائنين، ويتم الحصول على تأجيل في دفع الدين عند موافقة الدائنين”.
تحصيل الديون| أهم خصائص التسوية القضائية
تتميز هذه التسوية بعد خصائص هامة، منها:
- التسوية القضائية نظام جماعي.
- تعمل على الحماية من خطر الإفلاس.
- أنها نظام يتم تطبيقه على المدين حسن النية.
طبيعة التسوية القضائية القانونية
بالحديث عن الطبيعة القانونية للتسوية القضائية، فقد تعددت آراء الفقهاء حول هذا الأمر، وسنقوم بتوضيح هذه الآراء فيما يأتي:
– التسوية القضائية التزام قانوني:
يرى بعض الفقهاء أن التسوية القضائية هي عبارة عن التزام قانوني؛ وهذا نظرًا إلى أن القوة الملزمة للصلح تأتي نتيجة التزام قانوني يمثل رغبة غالبية الدائنين وكذلك المدين، بالإضافة إلى قيام المحكمة بالتصديق على هذا الأمر.
لكنه يجب التنويه إلى أنه في بعض الحالات قد ترفض المحكمة القيام بالتصديق على هذا الصلح، وهذا على الرغم من موافقة أغلبية الدائنين، ولذلك رُد بهذا الأمر على من يرى أن التسوية القضائية التزام قانوني.
– التسوية القضائية حكم قضائي:
يرى بعض الفقهاء أن التسوية القضائية عبارة عن حكم قضائي؛ نظرًا إلى أنه يستمد هويته الإلزامية عبر حكم المحكمة من خلال التصديق عليه، بالإضافة إلى أنه يُفرض على الدائنين الغائبين أو المعارضين، ويفرض كذلك على الدائنين الموافقين.
وقد رُد على هذا الرأي أنه لا يمكن أن تقوم المحكمة بالتصديق على حكم مرفوض من قبل جماعة من الدائنين، أو أن تقوم بالتعديل على الشروط سواء بالزيادة أو النقصان أو التغيير، كما يعد من جملة ما أُخذ على هذا الرأي أيضًا عدم مراعاته أن الصلح مبني على اتفاق مبرم بين المدين والدائنين، وبالتالي يمكن فسخه عند عدم تنفيذ الشروط، وفي حالة أن التسوية القضائية هي حكم قضائي ما كان بالإمكان إلغاؤه.
– التسوية القضائية عقد:
يرى جزء من الفقهاء أن الصلح هو عبارة عن عقد يتم إبرامه بين المدين والدائنين، كما أنه يقترن بتصديق المحكمة من أجل حماية الدائنين الغائبين أو المعارضين، وبالتالي يرتكز الصلح على عنصرين، الأول عقدي يتضمن الاتفاق بين المدين والدائنين، والثاني قضائي يتضمن تصديق المحكمة على العقد.
قد يهمك أيضًا قراءة: أهم المعلومات حول نظام الإثبات السعودي الجديد
أبرز شروط التسوية القضائية من طرق تحصيل الديون
هناك عدة شروط تتعلق بعملية التسوية القضائية، منها شروط موضوعية وشروط أخرى شكلية، وهذه الشروط تتمثل فيما يأتي:
1- الشروط الموضوعية:
– صفة التاجر: من أهم الشروط الموضوعية للتسوية القضائية أن يكون المدين تاجرًا؛ نظرًا إلى أن التسوية القضائية لا يتم تطبيقها إلا على التجار، سواء كانوا أفرادًا أو شركات، كما أنه يمكن تطبيق هذا النظام على غير التجار؛ حيث يمكن تطبيقه على أي شخص معنوي يخضع إلى القانون الخاص.
– حسن النية وسوء الحظ: في بعض الأوقات قد يتعذر التاجر عن سداد ديونه؛ نتيجة أسباب خارجة عن إرادته، وفي هذه الحالة يصبح مهددًا بخطر الإفلاس، ولذلك تعد التسوية القضائية من أفضل الطرق التي تساعد التاجر في تفادي خطر الإفلاس، كما تساعده أيضًا في استمرار تجارته؛ وهو ما يساهم في العمل على تحصيل الديون.
– التوقف عن الدفع: يعد التوقف عن الدفع من أهم إجراءات التسوية القضائية والتي تعد من طرق تحصيل الديون، كما أن التوقف عن دفع الدين يقوم على شرطين، الأول يرتبط بحالة الشخص، والثاني يرتبط بالوضع المالي للشركة.
2- الشروط الشكلية:
تتمثل الشروط الشكلية للتسوية القضائية في الإجراءات التي يتم اتباعها في حالة طلب الصلح الواقي من الإفلاس، وتتم هذه الإجراءات بإشراف قضائي، كما أنها تتم على مرحلتين، الأولى تبدأ من خلال تقديم طلب التسوية وتنتهي عند صدور الأمر بفتح الإجراءات، كما تبدأ المرحلة الثانية من صدور الأمر وتنتهي عند تصديق المحكمة على الصلح.
3- تحصيل الديون من خلال التنفيذ الجبري للسندات التنفيذية:
يعد التنفيذ الجبري للسندات التنفيذية أحد طرق تحصيل الديون، ومن المعلوم للجميع أن الدين يكون لازم السداد بحلول الموعد المتفق عليه مسبقًا، وفي حالة تخلف المدين عن الدفع يتم اللجوء إلى القضاء ورفع دعوى قضائية ومن هنا تبدأ الخصومة القضائية.
ويعتبر السند الجبري هو السبب المنشئ للحق في التنفيذ مهما كان نوعه، سواء كان تنفيذًا بالحجز أو تنفيذًا مباشرًا، ولا يمكن أن يتم القيام بإجراءات التنفيذ الجبري إلا الدائن، وهذا في حالة وجود سند تنفيذي بيده، ولا بد من بقاء السند قائمًا حتى يستقر التنفيذ.
أما في حالة إلغاء السند التنفيذي؛ فهذا يترتب عليه أن التنفيذ الذي قام به الدائن قد زال سببه، ولا بد من إعادة الحال إلى الحالة التي كان عليها قبل التنفيذ.
وهناك عدة تعريفات للسند التنفيذي، منها:
– “كل وثيقة مكتوبة تتضمن حق ثابت على شخص بإقراره، أو حكم قضائي عليه، وما يجرى مجراه”.
– “سند يجوز التنفيذ بمقتضاه، ولا يشترط أن يكون حكمًا من المحكمة أو من أي جهة قضائية مختصة، بل من الممكن أن يكون صلحًا صادقت عليه المحكمة، أو عقد موثق، أو قرار تحكيم، أو ورقة تجارية”.
قد يهمك أيضًا قراءة: خطوات تسجيل علامة تجارية بالسعودية
أركان التنفيذ الجبري
يُشترط لتطبيق التنفيذ الجبري عدة أركان لا بد من وجودها وإلا أصبح هذا التنفيذ معدومًا، وتتمثل هذه الأركان في:
- أشخاص التنفيذ: ويُقصد بأشخاص التنفيذ “سلطة التنفيذ – طالب التنفيذ – المنفذ ضده – الغير الموجه له إجراءات التنفيذ”.
- محل التنفيذ: يُقصد به جميع ما يرد عليه التنفيذ، ولا بد من أن يكون هذا المحل مملوكًا للمدين، ويمكن الحجز عليه.
- سند التنفيذ.
- مقدمات التنفيذ: وهي عبارة عن الإجراءات التي يتم القيام بها من أجل التنفيذ.
شروط السند التنفيذي
هناك عدة شروط لا بد من توفرها في السند؛ حتى يكون سندًا تنفيذًا قابلًا للتنفيذ، ويعد من أهم هذه الشروط ما يأتي:
- أن يكون الحق مستقرًا وثابتًا.
- أن يصدر السند التنفيذي عقب سريان نظام التنفيذ.
- عدم مخالفة السند التنفيذي لأحكام الشريعة الإسلامية أو نظام الدولة.
- أن يتضمن السند إلزامًا بحق، أو التزامًا بحق.
- أن يكون السند لحق محدد المقدار.
- أن يكون غير قابل للطعن أو الاعتراض من خلال الطرق العادية.
قد يهمك أيضًا قراءة: أهم المعلومات حول الامتياز التجاري في السعودية
أنواع السندات التنفيذية
– الأحكام والقرارات الصادرة من المحاكم:
وهي تتمثل في أي حكم يصدر عن جهة قضائية في دعوى تم رفعها استنادًا إلى قواعد أصول المحاكمات، وبالتالي يتميز هذا النوع من أنواع السندات التنفيذية أحد طرق تحصيل الديون بوصفين، الأول أنه صادر عن جهة قضائية، والثاني أنه صادر في منازعة واقعة بين خصوم.
– أحكام المحكمين المتضمنة الصيغة التنفيذية:
تعد أحكام المحكمين والتي يتم تذيلها بالصيغة التنفيذية استنادًا إلى نظام التحكيم من أهم أنواع السندات التنفيذية، وقد نصت المادة 52 من نظام التحكيم على أن “إذا صدر حكم المحكمين وفقًا لأحكام نظام التحكيم؛ فقد حاز حجية الأمر المقضي به، وأصبح واجب النفاذ”.
– محاضر الصلح من الجهات المعنية أو التي تصادق عليها المحكمة:
يعد الصلح من أنواع السندات التنفيذية، وهو يعمل على إنهاء أي نزاع بين طرفين، كما أنه يعد من أهم وسائل تسوية الخلافات، وبمقتضى هذا الصلح يتم إنهاء الخلاف، أما عن الجهات المعنية فهي الجهات الحاصلة على ترخيص من وزارة العدل للقيام بهذا الأمر، كما أنه لا بد من مصادقة المحكمة على محضر الصلح؛ لأنه في حالة عدم حدوث هذا الأمر يعامل محضر الصلح معاملة الورقة العادية.
– الأوراق التجارية:
تعرف الأوراق التجارية أنها عبارة عن صكوك ثابتة، قابلة للتداول عبر طريق التظهير، كما أنها تكون مستحقة الدفع عقب الاطلاع عليها أو عقب أجل محدد، وتنقسم هذه الأوراق التجارية إلى ثلاثة أقسام “الشيك – الكمبيالة – السند لأمر”.
ويتضمن كل من الشيك والكمبيالة ثلاثة أطراف، هم المستفيد “الدائن”، والساحب “المدين”، والمسحوب عليه “الوكيل في التسليم”، بينما يتضمن السند لأمر طرفين فقط، وهما الدائن والمدين.
– العقود الموثقة:
تعد العقود التي يتم توثيقها وفقًا لأحكام نظام التوثيق من أهم أنواع السندات التنفيذية، ولا بد من أن تتم عملية التوثيق لدى الجهات المعتمدة في وزارة العدل.
وختامًا، تعد عملية تحصيل الديون من واحدة من أهم العمليات التي تتعلق بالتجارة والمؤسسات التجارية، كما أن طرق تحصيلها متنوعة ومتعددة، ولكل منها خصائص تميزها على غيرها من الطرق الأخرى، لذلك يمكن للدائنين اتباع هذه الطرق حتى يتم استرداد أموالهم والحفاظ على حقوقهم، وفي حالة وجود أي استشارات قانونية بشأن هذا الأمر؛ فيمكنكم طلب استشارة من خلال الموقع (طلب استشارة قانونية) أو التواصل معنا بكل سهولة على الواتساب من هنا.
روابط قد تهمك: